ماذا أفعل، لمن الجأ؟ نساء عربيات يتحدثن عن تجربتهن مع الإجهاض

القفز من أماكن مرتفعة، وضع ثقل كبير على بطني، شرب ماء ورق البصل والبيبسي المغلي

يشهد العالم 25 مليون عملية إجهاض غير آمنة سنويّاً معظمها في الدول النامية، بحسب تقريرمنظمة الصحة العالمية، ما يؤدي الى 47 ألف حالة وفاة نتيجة الإجهاض غير الآمن. أسباب الرغبة في الإجهاض كثيرة ومختلفة، كإختلاف تجارب وخلفيات وحياة النساء في العالم، والاجهاض لا يعني النساء غير المتزوجات فقط في المجتمعات المحافظة، بل أيضاً المتزوجات اللواتي لديهن أيضًا أسباب أخرى قد تضطرهن إلى إنهاء الحمل.

وضع النساء في الدول العربية فيما يتعلق بالإجهاض، ليس أسوأ من وضع نظيراتهن في بعض الدول الأوروبية وعدد من الولايات الأمريكية التي تمنع المرأة من إجهاض حملها حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم أو حدوث تشوهات في الجنين، ويسمح لها بالإجهاض فقط في حال كانت حياتها معرضة للخطر. ولكن أكثر الدول العربية تبيح الإجهاض إذا كان يشكل تهديداً على حياة الأم، وجود تشوهات في الأجنة، أو نتج الحمل عن إغتصاب، أو زنا محارم. للقيام بالإجهاض بشكل قانوني، يجب أن يوافق الطبيب بوجود أحد هذه الأسباب المذكورة، وذلك بحسب معظم القوانين المتبعة في العالم العربي -ما عدا تونس والتي تبيح الإجهاض الآمن في المستشفيات والعيادات الحكومية المرخصة بشرط ألا يزيد عمر الحمل عن 3 أشهر. المرأة التي تجري عملية إجهاض خارج هذه الأطر القانونية (التي وضعها رجال) ليست فقط أكثر عرضة للموت بسبب الإجهاض غير الآمن، ولكنها أيضًا معرضة للسجن والغرامة حسب قوانين كل دولة.

الإجهاض هي قضية شائكة ومطروحة طوال الوقت، ما بين المدافعين عن الحق في الحياة والمؤيدين لحق المرأة في جسدها وخياراتها وحياتها. سألنا بعض السيدات من دول عربية مختلفة عن تجارب الإجهاض التي تعرضن لها، كما تحدثت لطبيبين عن تداعيات الإجهاض جسدياً ونفسياً.

كان من المستحيل أن أخبر عائلتي أنني حامل، أبي وأخي سيقتلونني بكل تأكيد

"حدث هذا قبل الزواج، كنا قد عقدنا القران بالفعل، وأنا زوجته طبقا للشرع والقانون ولكن ليس أمام المجتمع والعائلة. لم يكن من الممكن التعجيل بالزواج لأننا لم نكن انتهينا من تأثيث منزلنا بعد، وكان لا يزال أمامنا ما لا يقل عن عام لكي ننتهي من كل ترتيبات الزواج، كما كان من المستحيل أن أخبر عائلتي أنني حامل، أبي وأخي سيقتلونني بكل تأكيد. لم يكن أمامنا أية حلول سوى التخلص من هذا الحمل، وكان الذهاب إلى إحدى العيادات السرية فكرة مرفوضة تماماً بالنسبة لي خوفاً من أن يراني أحدهم، فنحن نعيش في بلدة صغيرة و(مابدي حدا يشوفني بهيك وضع ولا حتى الدكتور أو الممرضة). كان البديل هو الحصول على دواء الاجهاض (سايتوتيك) وهو عقار غير متوفر وممنوع تداوله في الصيدليات، ولكن خطيبي استطاع أن يحصل على 6 أقراص بمساعدة أحد أصدقائه، وكان سعر القرص 10 دينار (14 دولار). أخت زوجي الكبيرة كانت خير معين لي في هذا الوقت، أخبرها أخوها بما حدث وطلب منها أن تقف بجانبنا وتساعدنا لعبور هذه الأزمة. احتضنتني وقت ضعفي وطمأنتني وكانت تحاول طوال الوقت أن تمحو من داخلي الإحساس بالذنب فكانت تذكرني دائماً أن هذا الرجل زوجي أمام الله وأنني لم أرتكب معصية. أخذت أربعة أقراص مباشرة وانتظرت أكثر من 12 ساعة دون أن يحدث أي شيء سوى بعض الآلام والتقلصات في البطن. وبدأت أفكر في أخذ القرصين الآخرين وأنا في أقصى حالات التوتر لأن الوقت يمر ولا أعرف ماذا سأفعل إن فشلت تلك المحاولة. بعد عدة ساعات أخرى كانت معاناتي قد أوشكت على الانتهاء بعدما شعرت بتدفق الدماء أخيراً. اصطحبتني أخت زوجي إلى إحدى العيادات الطبية الخاصة وأصرت على أن أقوم بإجراء عملية تنظيف للرحم لكي لا يؤثر هذا الإجهاض على الحمل مستقبلاً. تزوجنا بعد عام وثلاثة أشهر من هذه الحادثة وأنجبنا يزن، 3 سنوات. ولم يتحدث ثلاثتنا (أنا وزوجي وأخته) عن هذه العملية من بعدها أبداً. دخلت في طي النسيان تماماً، ولكنني ما زلت أتذكر ما حصل، وأطلب الرحمة والمغفرة." - رنا، 32، الأردن

أنا وزجي لسنا نادمين على هذا القرار، أكثر المتضررات من الإجهاض هن الفقيرات غير القادرات على الحصول إجهاض آمن

أكثر المتضررات من الإجهاض هن الفقيرات غير القادرات على الحصول إجهاض آمن

"أنا مع حق المرأة في الإجهاض الآمن وفي الاختيار، ولا أتقاضى أجراً مقابل هذه العملية. نعم أجريت هذه العملية 3 مرات، وفي كل مرة كنت أشعر أنني أقوم بواجبي في إنقاذ حياة إمرأة من الموت لانها لم تتلقى الرعاية الصحية المناسبة، خصوصاً إن كانت لا تملك ثمن تلك العملية التي يتقاضى عليها بعض الأطباء مبالغ ضخمة. أكثر المتضررات من الإجهاض هن الفقيرات غير القادرات على الحصول إجهاض آمن بسبب القيود القانونية أو لعدم قدرتهن على دفع ثمن العملية، فيلجأن لحلول خطيرة قد تتسبب في موتهن مثل الوصفات الشعبية أو القفز من مكان مرتفع أو تناول أدوية قد يكون لها مضاعفات مثل النزيف الشديد، أو التسمم نتيجة حدوث إجهاض جزئي والعديد من المضاعفات الأخرى التي قد تسبب الوفاة. هذا غير منصف ابداً، لأن النساء الميسورات مادياً لديهن فرصة أكبر لتلقي خدمات صحية بكرامة وجودة عالية في عيادات معقمة ومجهزة. كما أن تجربة الإجهاض قاسية على جسد المرأة وتظل تعاني من آثارها النفسية لفترة طويلة بسبب إحساس الفقد والتخلي عن طفلها." - الدكتور سعد (إسم مستعار)، طبيب نسائية

تخرج المرأة من هذا التجربة وهي منهكة تماماً وفاقدة الثقة في كل من حولها

"الإجهاض المتكرر غالباً يكون مرتبط بسيدات أو فتيات تعاني من إضطرابات شخصية أو إدمان، حيث يكون لديهن رغبة في مواجهة الخطر والموت عقاباً وانتقاماً من أنفسهن. فتكرار نفس الخطأ الذي يؤدي إلى تكرار عملية الإجهاض هو في حقيقة الأمر تعبير عن عجز الفتاة وكراهيتها لذاتها. أنا لا أتعامل مع الموضوع باعتباره أزمة أخلاقية - أو باعتباره أزمة في حد ذاتها- أنا أتعامل مع حالة مرضية أصيبت بصدمة عصبية بسبب حدوث تحول هرموني في جسدها، هذا بالإضافة إلى صدمة إدراكها لرغبتها في إيذاء ذاتها. بالنسبة للإجهاض غير الشرعي، فقد صادفت الكثير من الحالات المأساوية كان أبرزها، حالة فتاة قاصر، كانت حامل بلا زواج، وقد اكتشفت الأم ذلك وبدأت ترتب عملية الإجهاض للتستر على ابنتها، كنت أنا على علم بكل التفاصيل لأنني كنت الطبيبة النفسية لهذه الفتاة. قبل عملية الإجهاض بأيام قليلة مرضت الفتاة وتم اصطحابها إلى المستشفى، وقالت الأم للطبيب الذي يعالج ابنتها أن الفتاة حامل وتوسلت إليه ألا يخبر أبوها بذلك، ولكن للأسف الشديد قام الطبيب بإبلاغ الأب أن ابنته حامل، بدافع الحفاظ على قيم المجتمع وأن الفتاة زانية وتستحق القتل، فما كان من الأب سوى أن قتل ابنته بالفعل داخل المستشفى. الفتيات اللاتي يعشن في مجتمعات موازية أكثر انفتاحاً وحرية، يتعرضن أيضاً للكثير من الابتزازات والمضايقات والصدمات التي تعد أقسى من تجربة الإجهاض نفسها. لقد رأينا هذا في العديد من الأفلام مثل فيلم "ديل السمكة" للمخرج يسري نصر الله. في حقيقة الأمر الواقع أكثر إيلامًا مما نراه على شاشة السينما، لأن التجربة في الواقع أطول وأكثر قسوة وتخرج منها الفتاة وهي منهكة تماماً فاقدة الثقة في كل من حولها وتحتاج إلى دعم نفسي كبير." -الدكتورة أميرة الأدهم، طبيبة نفسية، وحدة متابعة حالات ما بعد الإجهاض في مستشفى إمبابة العام

 

المصدر: VICE